مقدمة المحرر
تعد هذه إحدى المقابلات النادرة مع زعيم حركة حماس السابق يحيى السنوار أعدت قبل نحو ست سنوات، في أيار\مايو ٢٠١٨. أعدت المقابلة الصحفية الإيطالية فرانشيسكا بوري لصالح جريدتها الإيطالية “لا ريبابليكا” ووفرت منها نسخة بالعبرية لصحيفة يدعوت أحرنوت الإسرائيلية.
جاءت المقابلة على وقع مواجهات بين حماس وإسرائيل في ذلك العام، وفي أوج ما عرف بمسيرات العودة التي تحولت لحركة احتجاج غزية على السياج الأمني مع دولة الاحتلال استمرت من مارس\ آذار ٢٠١٨، وحتى ديسمبر ٢٠١٩ وقتلت فيها قوات الجيش الإسرائيلي أكثر من ٢٠٠ فلسطيني.
السنوار: “حان وقت التغيير، وإنهاء الحصار” – نُشر بتاريخ: 10 مايو 2018
فرانشيسكا بوري:
عندما أخبر الناس أنني التقيت يحيى السنوار، يكون السؤال الأول دائماً: “أين تم اللقاء؟ في نفق؟” وأجيب: “لا، في مكتبه.” كما التقيته في مكاتب أخرى، خلال زيارات لمقرات الوزارات ومتاجر ومصانع ومستشفيات، وفي مقاهٍ، وفي منازل عائلات فلسطينية عادية. استمرت اللقاءات ما بين ساعة وثلاث ساعات، إما منفردة أو بحضور آخرين. وذلك على مدار خمسة أيام. منحت حرية كاملة في الحديث عن أي موضوع، ومع أي شخص، في أوقات فراغي. لم تُفرض عليّ أي قيود. ولم أشعر بالخوف مطلقاً. لم يكن هناك ما يدعو للشعور بالخطر.
جاءت هذه المقابلة بعد مفاوضات مطوّلة، وهذا أمر طبيعي – خاصة لأنني كنت أغطي الشأن السوري في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى انقطاع صلاتي نسبياً بحركة حماس. لذلك تلقيت المساعدة من شخصيات فلسطينية أخرى، وفي مقدمتهم قيادي مخضرم لا ينتمي إلى حماس – بل على العكس تماماً: فهو ينتمي إلى التيار اليساري. غير أنه أحد الوسطاء في تشكيل حكومات الوحدة الوطنية. والوحدة الوطنية هنا هي مطلب الجميع.
حظيت بدعم العديد من الشخصيات الفلسطينية المرموقة، وكذلك من المواطنين العاديين، الذين كانوا يتواصلون معي باستمرار عبر الهاتف والرسائل القصيرة ورسائل البريد، ويستوقفونني في الشارع. كان دافعهم مزدوجاً: أولاً، رغبتهم في أن تتحدث حماس، وأخيرا، وتنفتح عما تفكر فيه. وثانياً، حرصهم على أن يستمع العالم إلى صوت حماس. أرادوا منا أيضاً أن ننفتح على وجهة نظرهم. يؤكد يحيى السنوار مرتين قائلاً: “نحن جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، بغض النظر عن الأعداد.” وهذا صحيح بلا شك. والأكثر من ذلك، أن الفلسطينيين الذين لا يؤيدون حماس سياسياً ينتقدون حظر الحركة، قائلين: “لقد فازوا في انتخابات حرة ونزيهة. هذا هو جوهر الديمقراطية.”
كما تلقيت دعماً من شخصيات إسلامية من دول مختلفة. لن أذكر أسماءهم، لكنهم يُذكِّروننا بأن القضية الفلسطينية – التي تراجعت إلى حد ما في ظل تصدر الجماعات الجهادية للمشهد – لا تزال تمثل أولوية قصوى لدى المسلمين كافة، على المستوى العاطفي قبل السياسي.
حين أقول “تلقيت دعماً”، فليس لأنني احتجت إلى إقناع حماس بأنني لست جاسوسة؛ فالحمد لله، تاريخي المهني يتحدث عن نفسه. بل لأنني احتجت إلى إقناع الحركة بأنني على دراية عميقة بها، بتاريخها وخلفيتها، حتى لا أقع في سوء فهم لأي من جوانبها. في يونيو الماضي، كنت في أحد مكاتب حماس، وكانت تزين الجدار صورة لمؤسسها، الشيخ أحمد ياسين رحمه الله. كان هناك صحفي آخر، وعندما رأى الصورة قال معلقاً: “من المثير للاهتمام كيف لا يزال تنظيم القاعدة يمثل مرجعية.” لقد اختلط عليه الأمر، ظاناً أن الصورة لأيمن الظواهري.
ومع ذلك، بمجرد إتمام الاتفاق على إجراء المقابلات، لم يساورني أي شعور بالخوف. أؤكد: لم يكن هناك ما يدعو للقلق مطلقاً. وهذا أمر كنت على يقين منه منذ البداية.
ثمة معارضة لوقف إطلاق النار الذي تسعى إليه حماس – حماس يحيى السنوار. أدرك ذلك جيداً. لكن مع الإسلاميين – وربما مع الجميع في نهاية المطاف – المسألة تتمحور حول الشفافية. فإذا كنت صادقاً، وإذا التزمت بالقواعد المتفق عليها، فلن تواجه أي مشكلة. بل على العكس، في تلك المرحلة، تصبح ضيفاً قبل أن تكون صحفياً: سيحمونك من كل شخص وكل شيء. إنهم رجال عقيدة وإيمان، ومثل جميع أصحاب المبادئ، يحافظون على كلمتهم.
أثار دهشتي ما وجدته عند إعادة قراءة الكتب التي درستها في الجامعة عن حركة حماس. قبل نحو عشر سنوات، في أعقاب فوز الحركة في الانتخابات وبداية الحصار مباشرة، كانت هناك اشتباكات في الشوارع مع حركة فتح، وحملات ضد محطات الإذاعة والموسيقى والمشروبات الكحولية والتدخين وما شابه. كانت هناك هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان التوتر يسود الأجواء. تلك الكتب لم تتحدث إلا عن تطبيق الشريعة الإسلامية: عن مستقبل يتضمن حد السرقة وعزل النساء. لم تكن هناك صفحة واحدة يمكن الاستفادة منها اليوم. كانت جميعها تدور حول الإسلام وتوافقه مع الديمقراطية. أما اليوم، بعد عشر سنوات، فحديثنا يتركز حول الاحتلال وكيفية التعايش مع واقعه.
نعم، ارتديت الحجاب عند وصولي، احتراماً للتقاليد. لكنهم جميعاً أصروا، وفي النهاية طلبوا مني خلعه – كعلامة على احترامهم لشخصي ومهنيتي أيضا.
لقد تغيرت غزة تغيراً جذرياً.
في الواقع، رغم أنها تنهار – جسدياً ونفسياً – إلا أنها تبقى جميلة. فهي تطل على البحر، تحت شمس دافئة. وفي بعض شوارعها، حيث الرمال وأشجار النخيل والزهور المتسلقة، يذكرك كل مشهد بما يمكن أن تكون عليه هذه المدينة.
وفي غزة أيضًا يوجد أحد أفضل المقاهي التي زرتها في حياتي، وهو مجرد عربة خشبية مع غلاية ومصابيح حديدية قديمة، وزجاجات ويسكي فارغة قديمة، وصورة لتشي جيفارا بين صور أم كلثوم، وشموع في علب صغيرة بسبب انقطاع الكهرباء. ليس لديهم سوى النسكافيه لا تزيد قيمتها عن دولار واحد يقدمونها على طاولات بلاستيكية. لكنه يحمل أجواء مقهى باريسي، لأنه ملتقى الشباب الذين لم يغادروا غزة أبدًا، ومع ذلك يتحدثون الإنجليزية بطلاقة، ولديهم مشاريع لا تحصى وطاقة لا نهاية لها. ورغم كل شيء، ما زالوا يرغبون في لقائي كل مرة، رغم أن اعمالي تترجم أيضًا إلى العبرية، من بين لغات أخرى.
إسرائيل هنا تعني الدبابات والغارات الجوية، لا شيء آخر. معظم هؤلاء الشباب لم يروا إسرائيليًا في حياتهم. هذا ليس ما عليه الحال في رام الله. الحياة سيئة هنا، بل سيئة جدًا. تجد المصابين في كل مكان، والأشخاص المبتوري الأطراف؛ والفقر المدقع. كان من حقهم أن لا يرغبوا بوجودي هنا. لكن، بالطبع أنا إيطالية، لست إسرائيلية، وهذا ما خلق الفرق. يقولون: “ليست إيطاليا من تحاصرنا؛ ليس إيطاليا هي التي يجب أن نوجه إليها الخطاب.” كلهم يريدون توجيه الخطاب إلى إسرائيل.
ويحيى السنوار، مثل غزة: عادي رغم كل شيء، في الصور القليلة التي وجدتها على الإنترنت له، يبدو بوجه صارم. لكنه في الحقيقة شخص بسيط مثل أي شخص آخر، دائمًا يرتدي قميصًا رماديًا. ميزته الأبرز ربما تكمن في عدم وجود ميزات بارزة، مثل جميع مستشاريه.
تتردد شائعات كثيرة حول الأنفاق والتهريب. وفي غزة، هناك بعض الأثرياء ورجال الأعمال. لكن بينما كنت جالسة مع بعض قادة حماس ذات مساء، فجأة نهضوا جميعًا. اعتقدت أنها غارة للجيش، لكن في الواقع، عاد التيار الكهربائي، وهرع الجميع لشحن هواتفهم. لأنهم، مثل غيرهم من الناس هنا، لا يملكون كهرباء ولا ماء ولا أي شيء آخر.
أعلم أن الإسرائيليين يرون في السنوار عدوًا وإرهابيًا. لذا، من الطبيعي أن تكون هذه المقابلة صعبة القراءة. كما أعلم أنني لا يمكنني أن أشعر بما تشعرون به تمامًا (القارئ الإسرائيلي) لكن ما أعدكم به هو أنني حاولت القيام بعملي الصحفي بأقصى مهنية، وطرحت الأسئلة الصعبة دون أي تنازلات.
لكنني أيضًا متأكدة من أن من المهم جدًا أن يعرف الجمهور الإسرائيلي، رغم كل الصعوبات، ما الذي يفكر فيه السنوار وما هي دوافعه وأهدافه. إن كون المسؤولين الإسرائيليين على اتصال بحماس هو إشارة أخرى على أن الأيام التي كان يُعتبر فيها الاستماع إلى الطرف الآخر أمرًا غير مشروع قد ولّت.
وربما يكون ذلك أيضًا سبب اختياري لهذا الطريق، لأنني وجدت حين فكرت في الأمر، أن يحيى السنوار يمتلك ميزة حقيقية. فهو يستمع كثيرًا، ولا يتخذ قرارات وحده. لكنه عندما يقرر، فإنه يقرر بحزم. لديه الشجاعة والعزيمة. وهو مستعد لاتخاذ خطوات كبيرة. وقد أصر على أن تنتهي المقابلة بالكلمة التي أنهاها بها.
وأثناء المقابلة لاحظت شيئًا مثيرًا: لم يذكر كلمة “إسرائيل” مرة واحدة. ربما أكون مخطئة، لكنه دائمًا كان يستخدم كلمات مرادفة مثل “نتنياهو” أو “الجيش” أو “الطرف الآخر”. لكن أكثر ما استخدمه كان “الاحتلال”. ما أستطيع تأكيده هو أنه لم يقل “الكيان الصهيوني” أو “اليهود”. فقط “الاحتلال”.
نص المقابلة
- لا أعلم عنك الكثير. يُقال أنك شخص قليل الكلام وتتحفظ على حياتك الشخصية، ونادرًا ما تتحدث إلى الصحفيين. وفي الواقع، هذه أول مرة تتحدث فيها مع وسائل الإعلام الغربية. لكنك تقود حماس منذ أكثر من عام. لماذا اخترت أن تتحدث الآن؟
“لأنني أرى الآن فرصة حقيقية للتغيير.”
- فرصة؟ الآن؟
“الآن. نعم.”
- بصراحة، يبدو أن احتمال نشوب حرب جديدة هو الأرجح. كنت في غزة في يونيو الماضي، وكان الأمر كالمعتاد: الرصاص الطائش، الغاز المسيل للدموع، الجرحى في كل مكان. ثم جاءت الغارات الجوية، الصواريخ، والمزيد من الغارات. كانت فرصة ذهبية للتعرض للقتل. منذ بدء موجة الاحتجاجات الأخيرة في أبريل، قُتل حوالي 200 شخص.
“بينما على الجانب الآخر قُتل شخص واحد فقط. لذا، أولًا، سأقول إن كلمة ‘حرب’ مضللة إلى حد كبير: ليس الأمر كما لو أن هناك حربًا في بعض الأحيان، وفي أيام أخرى لدينا سلام. نحن دائمًا تحت الاحتلال، إنه اعتداء يومي. ولكن الحقيقة أن الحرب الجديدة ليست في مصلحة أحد. بالتأكيد ليست في مصلحتنا. من الذي يرغب في مواجهة قوة نووية بالمقلاع؟ لكن إذا لم نستطع الفوز، بالنسبة لنتنياهو سيكون النصر أسوأ من الهزيمة، لأنها ستكون الحرب الرابعة. لا يمكن أن تنتهي كما انتهت الحرب الثالثة، والتي انتهت مثل الثانية، التي انتهت مثل الأولى. يجب أن يسيطروا على غزة. وهم يحاولون بشتى الطرق التخلص من الفلسطينيين في الضفة الغربية والحفاظ على الأغلبية اليهودية. لا أعتقد أنهم يريدون إضافة مليونين آخرين من العرب. لا، الحرب لا تحقق شيئًا.”
- يبدو هذا الكلام غريبًا بعض الشيء على شخص من الجناح العسكري لحماس.
“أنا لست قائد ميليشيا. أنا من حماس. وهذا كل شيء. أنا قائد حماس في غزة، وهي أكثر بكثير من مجرد ميليشيا – إنها حركة تحرير وطنية. وواجبي الرئيسي هو العمل من أجل مصلحة شعبي: الدفاع عنهم وعن حقهم في الحرية والاستقلال. أنتِ مراسلة حروب، أليس كذلك؟ هل تحبين الحروب؟”
- لا، على الإطلاق.
“إذن لماذا يجب أن أحبها؟ من يعرف ما هي الحرب، لا يحبها.”
- ولكنك كنت تقاتل طوال حياتك.
“ولا أقول إنني لن أقاتل مجددًا، بالعكس. ما أقوله هو أنني لا أريد الحرب بعد الآن. أريد إنهاء الحصار. عندما تمشي على الشاطئ عند الغروب وترى كل هؤلاء الشباب على الشاطئ يتحدثون ويتساءلون كيف يبدو العالم على الجانب الآخر للبحر. كيف تبدو الحياة. إنه شيء محزن. ويجب أن يحزن الجميع. أريدهم أن يكونوا أحرارًا.”
- الحدود مغلقة فعليًا منذ 11 عامًا. غزة لا تملك حتى ماء صالحًا للشرب، فقط ماء البحر. كيف هي الحياة هنا؟
“ماذا تتوقعين؟ ٥٥ في المئة من السكان هم تحت سن ١٥. نحن لا نتحدث عن إرهابيين، بل عن أطفال. ليس لديهم أي انتماء سياسي. لديهم فقط الخوف. أريدهم أن يكونوا أحرارًا.”
- ٨٠ في المئة من السكان يعتمدون على المساعدات. و٥٠ في المئة يعانون من انعدام الأمن الغذائي – ٥٠ في المئة يعانون من الجوع. وفقًا للأمم المتحدة، غزة قريبًا ستكون غير صالحة للحياة. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة وجدت حماس موارد لحفر الأنفاق.
“ولحسن الحظ. وإلا كنا متنا جميعًا. الطريقة التي ترين بها الأمور هي الطريقة التي تروج لها الدعاية الصهيونية. الحصار لم يأتِ بعد الأنفاق؛ لم يكن رد فعل على الأنفاق. بالعكس. كان هناك حصار وأزمة إنسانية، وللبقاء لم يكن أمامنا خيار سوى حفر الأنفاق. كانت هناك أوقات تم فيها حظر حتى الحليب.”
- أنت تعرف ما أعنيه. ألا تعتقد أنكم تتحملون بعض المسؤولية؟
“المسؤولية تقع على عاتق المحاصِر، وليس المحاصَر. مسؤوليتي هي العمل مع كل من يمكنه مساعدتنا في إنهاء هذا الحصار المميت وغير العادل. وأفكر بشكل خاص في المجتمع الدولي. لأن غزة لا يمكنها أن تستمر هكذا، الوضع هنا غير قابل للاستمرار. وبهذه الطريقة، لا يمكن تجنب انفجار (تصعيد).”
- إذن، لماذا لا تشترون الحليب بدلًا من الأسلحة؟
“لو لم نشترِ الأسلحة، لما كنا على قيد الحياة الآن. لقد اشترينا الحليب، لا تقلقي. اشترينا الحليب والكثير غيره: الطعام، الأدوية. نحن ٢ مليون نسمة. هل تعرفين ماذا يعني تأمين الطعام والدواء لمليوني شخص؟ الأنفاق تُستخدم بشكل محدود للمقاومة – لأنه خلاف ذلك قد لا تموتين من الجوع، لكن ستموتين من الغارات الجوية. وحماس تدفع من جيبها الخاص للمقاومة، وليس من الأموال العامة. من جيبها الخاص.”
- إذن، كانت حماس تقوم بعمل جيد في الحكومة؟
“ماذا تعتقدين؟ هل تظنين أن السلطة في غزة تشبه السلطة في باريس؟ كنا في السلطة لسنوات في العديد من البلديات بفضل سمعتنا في الكفاءة والشفافية. ثم في عام ٢٠٠٦، فزنا في الانتخابات العامة وتم وضعنا على القائمة السوداء. نعم، لا يوجد كهرباء، وهذا يؤثر على كل شيء آخر. ولكن هل تعتقدين أننا لا نملك مهندسين؟ أننا غير قادرين على بناء توربين؟ بالطبع نملك. لكن كيف؟ بالرمل؟ يمكنك أن تملكي أفضل جراح في المدينة، لكن هل تتوقعين منه أن يجري عملية باستخدام شوكة وسكين؟! انظري إلى جلدك، إنه بالفعل يتقشر. هنا، إذا أتيت من الخارج، ستصابين بالمرض فورًا. ما يجب أن يلفت انتباهك هو أننا لا زلنا على قيد الحياة.”
- وماذا عن وقف إطلاق النار الذي تفكر فيه حماس الآن؟ المفاوضون يعملون على مدار الساعة. ماذا تقصدون بوقف إطلاق النار؟
“أقصد وقف إطلاق النار. الهدوء. إنهاء الحصار.”
- هدوء مقابل هدوء.
“لا، تمهلي. هدوء مقابل هدوء وإنهاء الحصار. الحصار ليس هدوءًا.”
- وهدوء… إلى متى؟
“هذه ليست القضية الرئيسية بصراحة. ما يهم حقًا هو ما يحدث على الأرض في تلك الأثناء. لأنه إذا كان وقف إطلاق النار يعني أننا لن نتعرض للقصف، ولكن لا يزال لدينا نقص في الماء، وليس لدينا لا كهرباء، ولا شيء، فإننا ما زلنا تحت الحصار – وهذا لا معنى له. الحصار هو نوع من الحرب، إنه حرب بوسائل أخرى. وهو أيضًا جريمة بموجب القانون الدولي. لا يوجد وقف إطلاق نار تحت الحصار. لكن إذا رأينا غزة تعود إلى طبيعتها… إذا رأينا ليس فقط المساعدات بل الاستثمارات والتنمية – لأننا لسنا متسولين، نريد أن نعمل، ندرس، نسافر مثلكم جميعًا، نريد أن نعيش ونقف على أقدامنا – إذا بدأنا نرى فرقًا، يمكننا الاستمرار. وستبذل حماس قصارى جهدها. لكن لا يوجد أمن ولا استقرار، لا هنا ولا في المنطقة، بدون الحرية والعدالة. لا أريد السلام الذي يشبه مقبرة.”
- حسنًا، لكن ربما هذه مجرد خدعة لإعادة التنظيم. وفي غضون ستة أشهر، ستعودون للحرب. لماذا يجب على الإسرائيليين أن يثقوا بكم؟
“أولًا، لم أذهب إلى الحرب – الحرب أتت إلي. وسؤالي بصراحة هو العكس. لماذا يجب أن أثق بهم؟ لقد خرجوا من غزة في ٢٠٠٥ وأعادوا تشكيل الاحتلال. كانوا في الداخل، والآن يغلقون الحدود. من يعرف ماذا يجري في عقولهم حقًا؟ ومع ذلك، هذا هو جوهر الثقة. وربما هذا خطأنا. نحن دائمًا نفكر بمنطق: ‘من سيقوم بالخطوة الأولى، أنت أم أنا؟'”
- حسنًا، ولكن… مجددًا. إذا لم ينجح وقف إطلاق النار…
“لكن لمرّة، هل يمكننا تخيل ما سيحدث إذا نجح؟ لأنه قد يكون دافعًا قويًا لنا لبذل قصارى جهدنا لإنجاحه، أليس كذلك؟ إذا تخيلنا للحظة غزة كما كانت، ليس منذ زمن طويل – هل رأيتِ بعض صور الخمسينيات؟ عندما كنا في الصيف نستقبل السياح من كل مكان؟”
- نعم، غزة كانت مليئة بالمقاهي والمحلات التجارية وأشجار النخيل. رأيت تلك الصور.
“ولكن حتى اليوم… هل رأيتِ مدى براعة شبابنا؟ على الرغم من كل شيء. مدى موهبتهم، ابتكارهم، وحيويتهم؟ باستخدام آلات الفاكس القديمة وأجهزة الكمبيوتر القديمة، تمكنت مجموعة من الشباب العشرينيين من تجميع طابعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج المعدات الطبية الممنوعة من الدخول. هذه هي غزة. نحن لسنا فقط بائسين وأطفالًا حفاة. يمكن أن نصبح مثل سنغافورة أو دبي. دعونا نجعل الوقت يعمل لصالحنا. لنعالج جراحنا. لقد قضيت ٢٥ عامًا في السجن. هو (يشير لأحد مستشاريه) فقد ابنه – قُتل في غارة. مترجمكِ فقد اثنين من إخوته. الرجل الذي قدّم لنا الشاي – زوجته ماتت بسبب عدوى. شيء بسيط، مجرد جرح. لكن لم يكن هناك مضادات حيوية، وهكذا ماتت. ماتت نتيجة عارض يمكن لأي صيدلي علاجه. هل تعتقدين أن هذا سهل علينا؟ لكن لنبدأ بهذا: وقف إطلاق النار. دعونا نمنح أطفالنا الحياة التي لم نحصل عليها أبدًا. سيكونوا أفضل منا. مع حياة مختلفة، سيبنون مستقبلًا مختلفًا.”
- هل تستسلمون؟
“لقد كافحنا طوال حياتنا من أجل حياة طبيعية. حياة خالية من الاحتلال والعدوان. نحن لا نستسلم، نحن نستمر.”
- وخلال هذا وقف إطلاق النار، هل ستحتفظ حماس بأسلحتها؟ أم ستقبلون بحماية دولية مثل الخوذ الزرقاء؟ مثل سربرنيتشا؟ حدسي يقول إنكم لن تقبلوا.
“حدسك صحيح.”
- آسفة إذا ألححت في هذا الموضوع، ولكن إذا لم ينجح وقف إطلاق النار؟ ليس للتشاؤم، ولكن تعرف أن الماضي ليس مشجعًا. حتى الآن، المتشددون أجهضوا أي محاولة اتفاق.
“حتى الآن. أولًا، تبدين واثقة جدًا، ولكن ليس هناك اتفاق بعد. نحن جاهزون لتوقيعه. حماس وجميع الفصائل الفلسطينية تقريبًا جاهزون لتوقيعه والالتزام به. ولكن حتى الآن، هناك فقط الاحتلال. وبالنسبة لي، إذا تعرضنا للهجوم، فالأمر واضح، سندافع عن أنفسنا. كما نفعل دائمًا. وإذا وقعت حرب جديدة، فبعد عام ستكونين هنا مجددًا، وسأكون هنا مرة أخرى لأقول: الحرب لا تحقق شيئًا.”
- لديكم سلاح أيقوني: الصواريخ. صواريخ محلية الصنع التي عادة ما يتم اعتراضها بنظام القبة الحديدية، وترد إسرائيل بصواريخها الأكثر قوة. آلاف الفلسطينيين قُتلوا. هل كانت الصواريخ مفيدة؟
“لنكن واضحين: المقاومة المسلحة هي حق لنا بموجب القانون الدولي. لكننا لا نمتلك الصواريخ فقط. لقد استخدمنا وسائل مختلفة للمقاومة. دائمًا. مثل هذا السؤال، بصراحة، يجب توجييه لكِ أكثر مما يجب توجيهه لي – لكم جميعا معشر الصحفيين. نحن نحتل العناوين الرئيسية للأخبار فقط مع الدم. وليس هنا فقط. لا دم، إذن لا أخبار عن غزة. لكن المشكلة ليست في مقاومتنا، بل في احتلالهم. بدون الاحتلال، لم نكن لنمتلك الصواريخ. لم نكن لنمتلك الحجارة أو الزجاجات الحارقة، لا شيء. كنا جميعًا سنعيش حياة طبيعية.”
- لكن هل تعتقد أن الصواريخ حققت هدفها؟
“بالطبع لا. وإلا لما كنا هنا. ولكن ماذا عن الاحتلال؟ ما كان هدفه؟ تنشئة القتلة؟ هل شاهدتِ الفيديو الذي يطلق فيه جندي النار علينا كما لو كنا قطع بولينغ؟ ويضحك. لقد كانوا شعبًا مثل فرويد وأينشتاين وكافكا. خبراء في الرياضيات والفلسفة. الآن أصبحوا خبراء في الطائرات المسيرة والإعدامات خارج نطاق القضاء.”
- الآن لديكم سلاح أيقوني جديد: الطائرات الورقية الحارقة. إنها تدفع إسرائيل للجنون لأنها تتجاوز القبة الحديدية ولا يمكن إسقاطها واحدة تلو الأخرى.
“الطائرات الورقية ليست سلاحًا. على الأكثر، تحرق بعض الأعشاب. مجرد مطفأة حريق وينتهي الأمر. إنها ليست سلاحًا، بل رسالة. لأنها مجرد خيط وورق وقماش مبلل بالزيت، بينما كل بطارية من القبة الحديدية تكلف ١٠٠ مليون دولار. تلك الطائرات الورقية تقول: أنتم أقوى بكثير، لكنكم لن تفوزوا أبدًا. حقًا. أبدًا.”
- الفلسطينيون في الضفة الغربية يواجهون نفس الاحتلال، ومع ذلك اختاروا استراتيجية مختلفة تمامًا: اللجوء إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
“وهذا أمر مهم. كل شيء مهم، كل وسائل المقاومة. لكن إن سمحت لي بالقول، آسف: عندما يتعلق الأمر بفلسطين، فإن المجتمع الدولي هو جزء من المشكلة. عندما فزنا في الانتخابات – وفزنا في انتخابات حرة ونزيهة – كان الرد هو الحصار. فورًا. لقد اقترحنا حكومة مع فتح، وليس مرة واحدة، بل مئة مرة، ولم يحدث شيء. الرد الوحيد كان الحصار. إذا انتهى الأمر كما هو عليه، فهذا أيضًا بسببكم (المجتمع الدولي). حتى الآن، أنتم تحذرون حماس: سنتعامل معكم فقط إذا كانت هناك فتح. ثم تحذرون فتح: سنتعامل معكم فقط إذا لم تكن هناك حماس. الانقسام الذي انتقدتمونا عليه هو أيضًا نتيجة للحصار. لضغوطكم التي تكون في بعض الأحيان ليست أقل من تهديدات. مع حكومة وحدة وطنية، لن تحصل رام الله على فلس واحد. ستفلس.”
- الحصار موجود لأن حماس تُعتبر حركة مناهضة للنظام، حركة غير دستورية، إذا جاز التعبير. لا تلتزم بقواعد اللعبة.
“أي لعبة؟ الاحتلال؟”
- أنت تعرف… أوسلو. حل الدولتين.
“لكن أوسلو انتهى. أعتقد أن هذه هي النقطة الوحيدة التي يتفق عليها الجميع هنا. لكن الجميع. لقد كان مجرد ذريعة لإلهاء العالم بمفاوضات لا نهاية لها، وفي الوقت نفسه بناء المستوطنات في كل مكان، ومحو أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية. مرت ٢٥ عامًا، وماذا حصلنا؟ لا شيء. لكن الأهم، لماذا تصرون دائمًا على أوسلو؟ لماذا لا تتحدثون أبدًا عما حدث لاحقًا؟ مثل وثيقة الوحدة الوطنية على سبيل المثال، التي استندت إلى وثيقة الأسرى المعروفة لعام ٢٠٠٦. وهي التي تحدد استراتيجيتنا الحالية، أعني حماس وفتح، كلنا معًا – دولة ضمن حدود ١٩٦٧ مع القدس عاصمة لها. وبالطبع مع حق العودة للاجئين. مرّ ١٢ عاما، وما زلتم تسألون: لماذا لا تقبلون حدود ٦٧؟ لدي شعور أن المشكلة ليست في جانبنا.”
- المجتمع الدولي ينفق ملايين الدولارات على الفلسطينيين.
“ينفق. بالضبط. إنه ينفق فقط. بشكل خاطئ. لقد كرّمتم اتفاقات أوسلو بجائزة نوبل للسلام ثم اختفيتم. لم يراقب أحد تنفيذها. السؤال الرئيسي هو: هل كانت الاستراتيجية الصحيحة (للفلسطينيين) هي المساعدة في تأسيس دولتهم وجميع مؤسساتها؟ ومن بين أمور أخرى، عليّ أن أذكركم أن اتفاقية جنيف الرابعة واضحة: تكلفة الاحتلال تقع على عاتق المحتل. ليس دوركم بناء الطرق والمدارس، والأهم من ذلك، إعادة بناء ما يتم تدميره. وإلا، بدلًا من معارضة الاحتلال، تسهلونه.”
- المعارض الرئيسي لوقف إطلاق النار لا يبدو أنه إسرائيل – التي تركز الآن على إيران – بل فتح التي تخشى أن يكون هذا نجاحًا لحماس.
“نجاح؟ وقف إطلاق النار هذا ليس من أجل حماس أو فتح: إنه من أجل غزة. بالنسبة لي، ما يهم هو أن تدركوا أخيرًا أن حماس هنا. إنها موجودة. لا يوجد مستقبل بدون حماس، لا يوجد أي اتفاق ممكن بدونها، لأننا جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، حتى لو خسرنا الانتخابات المقبلة. نحن جزء من فلسطين. أكثر من ذلك، نحن جزء من تاريخ العالم العربي بأسره، والذي يشمل الإسلاميين وكذلك العلمانيين والقوميين واليساريين. ولكن مع ذلك، دعونا نتجنب كلمة ‘نجاح’. لأنها تمثل إهانة لجميع المرضى المحتضرين الذين ينتظرون الآن على الحدود لفتحها. لكل الآباء الذين لن يجرؤوا على النظر في وجوه أطفالهم الليلة لأنهم لا يملكون وجبة طعام لتقديمها. عن أي نجاح نتحدث؟”
- دخلت السجن عندما كان عمرك ٢٧ عامًا. وعندما خرجت كنت في الخمسين. كيف كان التكيف مع الحياة؟ مع العالم؟
“عندما دخلت كان عام ١٩٨٨. كانت الحرب الباردة لا تزال مستمرة. وهنا كانت الانتفاضة. لنشر آخر الأخبار كنا نطبع المنشورات. خرجت ووجدت الإنترنت. لكن بصراحة، لم أخرج أبدًا – لقد غيرت فقط السجون. وعلى الرغم من كل شيء، كان السجن القديم أفضل بكثير من هذا. كان لدي ماء وكهرباء. كان لدي الكثير من الكتب. غزة أصعب بكثير.”
- ماذا تعلمت من السجن؟
“الكثير. السجن يبنيك. خاصة إذا كنت فلسطينيًا، لأنك تعيش وسط نقاط التفتيش والجدران والقيود من كل نوع. فقط في السجن، تلتقي الفلسطينيين الآخرين أخيرًا، ولديك الوقت للحديث. وتفكر في نفسك أيضًا. حول ما تؤمن به، والثمن الذي أنت مستعد لدفعه. ولكن الأمر يشبه إذا سألتك الآن: ماذا تعلمت من الحرب؟ ستقولين: الكثير. ستقولين: الحرب تبنيك. لكن بالتأكيد كنتِ تفضلين ألا تكوني في حرب. لقد تعلمت الكثير، نعم. لكنني لا أتمنى السجن لأحد. لا أتمناه حقًا، حتى لأولئك الذين اليوم – عبر هذا السلك الشائك – يسقطوننا ككرات البولينغ ويضحكون، ولا يدركون أنهم قد ينتهون بعد ٢٥ عامًا في لاهاي.”
- في المحكمة الجنائية الدولية.
“بالطبع. لأن مرة أخرى: لا مستقبل بدون عدالة. وسنسعى لتحقيق العدالة.”
- لكن تعلم أن بعض الفلسطينيين قد ينتهون أيضًا في لاهاي.
“بموجب القانون الدولي، لدينا كل الحق في مقاومة الاحتلال. لكن المحكمة هي المحكمة، بالطبع. وستقوم بعملها على ما يجب أن تقوم به. ومع ذلك، فإن دورها ضروري. وليس فقط لوقف الجرائم – بل من الضروري معاقبة المجرمين. دورها أساسي أيضًا بالنسبة للضحايا، لأنه لا يمكن لطرف ثالث أن يحل محل الضحايا في معالجة ما حدث. لا يمكن لأي صفقة سياسية أن تتجاوز خسارتهم وتدفعهم للمضي قدمًا. هذا من اختصاص الضحايا.”
- تم الإفراج عنك في صفقة تبادل جلعاد شاليط. وحماس لديها حاليًا اثنان من الإسرائيليين بالإضافة إلى بقايا جنديين قتلا في الحرب الأخيرة. أعتقد أن تبادل الأسرى سيكون بندًا أساسيًا بالنسبة لك في أي اتفاق لوقف إطلاق النار.
“أكثر من أساسي – إنه ضرورة. بالنسبة لي، هذا ليس مسألة سياسية، بل مسألة أخلاقية. لأن قراءك ربما يعتقدون أن من هو في السجن هو إرهابي أو بطريقة ما خارج عن القانون. لص سيارات. لا. كلنا نتعرض للاعتقال عاجلاً أم آجلاً. لكن حرفيًا – كلنا. ألقي نظرة على الأمر العسكري ١٠١. بدون إذن من الجيش، يعتبر جريمة حتى رفع العلم أو تجمع أكثر من عشرة أشخاص لشرب الشاي ومناقشة السياسة. ربما كنت تتحدثين عن ترامب فقط، لكن يمكن أن تحصلي على حكم بالسجن يصل إلى ١٠ سنوات بموجب هذا الامر العسكري. بطريقة ما، السجن طقس للعبور. إنه نضوجنا. لأنه إذا كان ثمن من شيء يوحدنا، يجعلنا جميعًا متساوين – جميع الفلسطينيين – فهو السجن. وبالنسبة لي، هو واجب أخلاقي: سأبذل أكثر من جهدي لتحرير أولئك الذين لا يزالون في الداخل.”
- بطريقة ما، حققت أكثر من خلال عمليات الخطف مقارنة بالصواريخ.
“أي عمليات خطف؟”
- مثل جلعاد شاليط.
“جلعاد شاليط لم يكن رهينة، كان أسير حرب. هل ترين لماذا نادراً ما نتحدث مع الصحفيين؟ جندي يُقتل وتنشرين صورة له على الشاطئ، ويعتقد قراؤك أننا أطلقنا النار عليه في تل أبيب. لا. هذا الرجل لم يُقتل وهو يرتدي شورت برمودا ويحمل لوح تزلج على الماء، بل كان يرتدي الزي العسكري ويحمل بندقية M16 ويطلق النار علينا.”
- ومع وقف إطلاق النار؟
“مع وقف إطلاق النار، لن يطلق أحد النار علينا، أليس كذلك؟ وبالتالي لن يتم القبض على أحد.”
- كنت تتحدث عن السجن والنضج. حماس بلغت الثلاثين، كيف تغيرت؟
“كيف كنتِ ترين كل هذا قبل ٣٠ عامًا؟”
- قبل ثلاثين عامًا، كنت في الثامنة من عمري.
“وهذا هو الأمر: تغيرنا كما تغيرتِ أنتِ. كما تغير الجميع. كان عام ١٩٨٨، وكما قلت لك، كانت الحرب الباردة لا تزال قائمة. وكان العالم أكثر أيديولوجية بكثير مما هو عليه اليوم. كان أكثر وضوحًا بين الأصدقاء والأعداء. وعالمنا أيضًا كان كذلك إلى حد ما. لكن مع مرور الوقت، تتعلمين أن بإمكانك العثور على أصدقاء وأعداء حيث لا تتوقعين.”
- ميثاق حماس لا يزال أبيض وأسود إلى حد كبير.
“هذا أول وثيقة لنا. وربما… الأهم هو آخر وثيقة. لماذا تسألينني عن ميثاق عمره ٣٠ عامًا وليس عن كل ما تلاه والذي يظهر تطورنا؟ عشرات وعشرات الوثائق، كل شيء موجود هناك: علاقتنا بالمجتمع المدني وبالمجموعات السياسية الأخرى، السياق الإقليمي، السياق الدولي، والاحتلال بالطبع. إجابة كل أسئلتك موجودة هناك. وبصراحة، توقعنا منكِ أن تلتقطي الإشارة وتبدئي حوارًا مع حماس. لأننا مرة أخرى لسنا ظاهرة مؤقتة. لا يوجد مستقبل بدون حماس. ومع ذلك، لا تزالين تسألين عن شيء يعود إلى ٣٠ عامًا. وكما هو الحال مع أوسلو، لدي شعور بأن المشكلة ليست في جانبنا.”
- من هو المشكلة إذن؟
“كل من لا يزال ينظر إلينا كمجموعة مسلحة ولا شيء أكثر من ذلك. ليس لديك أي فكرة عن شكل حماس حقًا. لمحة فقط: نصف موظفينا نساء. هل كنت ستتوقعين ذلك؟ تركزين على المقاومة والوسائل بدلاً من الهدف – وهو دولة قائمة على الديمقراطية والتعددية والتعاون. دولة تحمي الحقوق والحريات، حيث يتم مواجهة الاختلافات بالكلمات وليس بالبنادق. حماس هي أكثر بكثير من عملياتها العسكرية. إنه في حمضنا النووي. نحن قبل كل شيء حركة اجتماعية، ولسنا مجرد حركة سياسية. أنشأنا مطابخ الحساء والمدارس والمستشفيات. منذ الأزل. لأنه للقيام بدورك، لست بحاجة إلى أن تكون وزيرًا للرعاية الاجتماعية. إذا كنت من حماس، فأنت مواطن قبل أن تكون ناخبًا.”
- ومع ذلك، عندما يفكر معظم قرائي في حماس، فإنهم لا يفكرون في الجمعيات الخيرية. بل يفكرون في الانتفاضة الثانية والهجمات الانتحارية. بالنسبة للإسرائيليين، أنت إرهابي.
“وهذا ما هم عليه بالنسبة لي، في ضوء جرائمهم ضدنا.”
- بداية مثالية لوقف إطلاق النار.
“وماذا ينبغي أن أقول؟ هل نحن نضرب المدنيين؟ هم يضربون المدنيين. هل عانوا؟ نحن عانينا. أخبريني عن أي من قتلاهم وسأخبرك عن أحد قتلانا. عن عشرة من قتلانا. وماذا بعد؟ هل جئتِ إلى هنا للحديث عن الموتى أو لتجنب سقوط موتى جدد؟ ولكن الأهم من ذلك، أنتِ. هل تعتقدين أنك بريئة فقط لأنك إيطالية – لا عربية ولا يهودية؟ كم هو سهل أن تأتي من بعيد وتشعر بالحكمة والإنصاف. كلنا يدينا ملطخة بالدماء. أنت أيضًا. أين كنتِ خلال هذه السنوات الإحدى عشرة من الحصار؟ وخلال هذه الخمسين سنة من الاحتلال؟ أين كنتِ؟”
- أي نوع من الحياة تأمل لأولادك؟
“حياة كفلسطينيين، بالطبع. رأسهم مرفوع دائمًا. على الرغم من كل شيء، آمل أن يكونوا أقوياء ويواصلوا النضال حتى اليوم الذي يحصلون فيه على الحرية والاستقلال. لأنني أريد أن يحلم أطفالي بأن يصبحوا أطباء، ليس فقط لمعالجة الجرحى، بل لمعالجة مرضى السرطان. مثل جميع أطفال العالم. أريدهم أن يكونوا فلسطينيين بفخر، حتى يكونوا أكثر من مجرد فلسطينيين.”
- لقد نسيت أن أسألك عن “صفقة القرن” خطة السلام التي وضعها دونالد ترامب. على الرغم من أنه ليس واضحًا تمامًا ما يدور حوله، فلا يوجد شيء على الورق.
“في الواقع، إنه محو واضح لاحتمال حريتنا واستقلالنا. لا يوجد سيادة، لا قدس. لا حق عودة… هناك شيء واحد فقط: رفضنا. وهذا ليس فقط موقف حماس. هذا شيء نتفق عليه جميعًا. لا.”
- إذن، حتى الآن، ستواصلون الاحتجاجات والمظاهرات التي بدأتموها في أبريل. كل يوم جمعة على طول السياج. لقد شوهدت هناك مرات عديدة.
“وسأخبرك فقط باسمين: إبراهيم أبو ثريا وفادي أبو صلاح. كلاهما كان عمره ٢٩ عامًا وكلاهما كان في كرسي متحرك. مجرد اثنين من العديد من مبتوري الأطراف في الحروب الأخيرة. وهذا عندما تدركين أن الناس هنا لا تقتل لأنها تشكل خطرًا – فما الخطر الذي يمثله شخص في كرسي متحرك على جيش عبر السلك الشائك على بعد مئات الأمتار منه؟ لا. هنا لا تُقتلين بسبب ما تفعلين، بل بسبب من أنتِ. تُقتلين لأنك فلسطينية. ليس لديكِ فرصة.”
- إذا كان عليك تلخيص كل ما قلته في جملة واحدة فقط. ما هي الرسالة التي تريد أن يتذكرها القراء؟
“لقد حان وقت التغيير. حان وقت إنهاء هذا الحصار. إنهاء هذا الاحتلال.”
- وهل تعتقد أن الناس سيصدقونك؟
“كنتِ هنا في يونيو، مع مئات الصحفيين الآخرين، وكان تغطيتكِ هي الأكثر قسوة علينا. وأنتِ تُترجمين أيضًا إلى العبرية. ومع ذلك، أنتِ هنا مرة أخرى لأنك تحترميننا بعمق ونحن نحترمكِ بعمق. في بعض الأحيان، بطريقة ما، يكون الرسول هو الرسالة. ستغادرين الآن وتكتبين كل شيء. هل سيتم قراءتكِ؟ هل سيتم الاستماع إليكِ؟ لا أعرف. لكننا قمنا بدورنا.”
تبدو واثقًا إلى حد ما.
“أنا فقط واقعي. لقد حان وقت التغيير.”