جنسية أجنبية لتأمين هوية عربية: جدل التجنيس والانتماء في الغرب

لندن- سارة التميمي

”عذراً“ يستسمحني أحدهم وهو يهم جاهداً الصعود لمتن القطار المزدحم في وضح نهار لندني. لم تكن ملامحه بريطانية بالضرورة، كما هو حال غالبية من كانوا حولي. الاعتذار هنا جزء من التركيبة الاجتماعية للبلاد. الجميع يعتذر، حتى دون النظر إلى من يوجه له الكلام، يقولونها وهم يهرولون صوب قطاراتهم المكتظة.

عام مر على وجودي في العاصمة البريطانية، وها أنذا بدأت، كغيري، أوزع الاعتذارات مثلهم. رغم لكنة بريطانية مفخمة وحَّدتهم، كانت تفرقهم أعراق، وألوان وأديان. غالبية هؤلاء إما بريطانيون، أو في طريقهم نحو الحصول على الجنسية هذه البلاد.

في رحلتي الأكاديمية إلى عاصمة الضباب، تبقى الإجابة عن سؤالي المعتاد لمن أصادفهم: ”من أين أنت؟“، مثيرة للاهتمام البحثي والصحفي على السواء. يحيل السؤال عن آخر أشمل: أين تبدأ وتنتهي حدود الجنسية والهوية، أو لنسمها الانتماء والثقافة، للعربي في المهجر؟ وفي معظم الاحيان، يبقى هذا السؤال الملتبس، “من أين أنت”، النافذة النفسية والذهنية التي يعبر الأفراد من خلالها عن انتمائهم عوض جنسيتهم الرسمية المحفوظة في الأوراق الثبوتية التي ترافقهم في مطارات العالم. على الدوام، تحيل الإجابة عن السؤال إلى البلد الأم لا مكان الإقامة، حتى لو منَحَنا الأخير جنسيته، وأسبغ علينا بعضا من حقوقه القانونية وامتيازاته الاجتماعية والاقتصادية. 

لكن لما؟

هل الجنسية والهوية مفهومان متباينان للعربي المهاجر في عالم اليوم؛ يسعى باحثاً عن بديل للأولى، ليحيى بأريحية مجاهرا بالثانية؟ وهل يسهم اندفاع المجتمعات الغربية المستضيفة نحو منح مواطنتها للمهاجرين في خفض منسوب اعتزازها وانحيازها المتعصب لجنسيتها هي؟ أم أنه يدفعها نحو مزيد من الانغلاق والخواف من الآخر؟ 

هل الجنسية والهوية مفهومان متباينان للعربي المهاجر في عالم اليوم

“نقاش عربي حول “هجرة معاكسة

في عام ٢٠١٤، دعت الإمارات إلى تأمين البيئة الاقتصادية والمعيشية اللازمة ”للهجرة المعاكسة“. كانت البلاد قد بدأت تلحظ تزايدا في أرقام العقول المهاجرة التي قررت العودة للوطن العربي. لكن هل تبحث العقول العربية عن أمن معيشي واقتصادي فقط، أم أنها تفتش عن جنسية ومواطنة تساعد في جعل تنقلها وتعبيرها عن آرائها أكثر تحرراً؟

حتى الآن، يبدو الغرب وجهة مفضلة للمهاجرين من العالم العربي. وفق ما تشير إليه إحصاءات المنظمة الدولية للهجرة  لعام ٢٠٢٠. تستضيف أوروبا أكبر عدد من المهاجرين،  نحو ٨٦ مليونا في عام ٢٠٢٠. تبقى الولايات المتحدة المستقبل الأكبر للمهاجرين الذين يتجاوز عددهم ٥١ مليونا، تليها ألمانيا بواقع نحو ١٥ مليونا. تلفتنا إحصاءات منظمة العمل الدولية المنشورة في ٢٠٢١ أيضا إلى أنّ المهاجرين من الطبقة العاملة يتمركزون أيضاً ضمن القارة الأوروبية والولايات المتحدة، حيث استقبلت الأولى  ٣٧ بالمئة منهم فيما قبلت الأخيرة نحو ٢٥ بالمئة. 

لا تؤمّن الدول العربية إمكانية الحصول على الجنسية؛ وحتى لو بقي المهاجر دهراً هناك، فقد تنتهي مهلة البقاء ويصبح “معرضاً للرحيل بمجرة انتهاء العمل”، يقول محمد نزار الذي هاجر من الأردن إلى بريطانيا قبل ١١ عاما. يعرف محمد عن نفسه بجنسيته الأم، تماما كغيره ممن تحدثت إليهم لكتابة هذه المادة. ومع إقراره بالاستقرار الأمني في الخليج قياسا بدول عربية أخرى، إلا أن الاستقرار الوظيفي والمعيشي هو ما يهمه، وهذا الأخير يبقى هشا، من وجهة نظره، على عكس الدول الغربية، ومنها بريطانيا، حيث يعمل محاضرا جامعيا في علم الحاسوب. هناك، بالإمكان التحصل على المواطنة بمجرد استكمال سنوات الإقامة. 

ماهية الجنسية

أكاديمياً، يُفسر هذا الميل نحو الهوية الأم بظاهرة “الجنسية البراغماتية”  وهو الاصطلاح الذي يحيل على ارتباط الدافع بنيل الجنسية الأجنبية بحيازة جواز سفر يوفر لحامله الأمن من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، من دون الانتماء التام والخاص إلى الدولة الحاضنة والمانحة لتلك الامتيازات، وطبعا دون التنازل عن الانتماء للوطن الأم. 

 تشير دراسات أجرتها الأكاديمية “إيليزابيث مافرودي” إلى وجود علاقة بين ما تمنحه الجنسية للفلسطينيين في مدينة أثينا اليونانية من حماية وأمن وحرية سفر مثلا، وبين دافعهم بالهجرة. بالمجمل، قد تُمنح الجنسية للأشخاص الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية أو من يملكون جنسيات لبلدان تعيش حالات نزاع تصعِّب تنقلهم، وتوفر لهم تباعا الانتماء القانوني والرسمي دون فرض شروط الانتماء الحصري للدولة المانحة للجنسية.

هذه الحرية في تبني الهوية الأم بمعزل عن الجنسية التي يحملها الشخص، تخلق خطاً فاصلاً بين تعريف الأخيرة والانتماء. ومن ثم تتعقد محاولات تفسير مفهوم ”الجنسية“ أو ”المواطنة” حسب بروفيسور المواطنة في جامعة سنترال لانكشاير البريطانية، كيث فولكس. في بعض الأحيان، يقول فولكس، من الممكن تفسير اهذا المصطلح بوصفه سلسلة من التصرفات والإجراءات التي تسمح للأشخاص بالتفاوض وتحديد موقعهم مؤقتاً لأسباب استراتيجية وتشريعية.

ومع عمومية التفسير السابق، ترى الأكاديمية في مجال الدراسات العالمية والثقافات في جامعة مايامي،  شيلا كروشير، أنّ السياسات المختلفة حول منح الجنسية حول العالم عادة ما تزيد من التباس تعريفها المعقد أصلا. السبب من وجهة نظرها يكمن في تشابك تعريفات كل من الهوية، العرق والجنسية. “تعتمد كل من الهوية العرقية وشعور الانتماء للأمة على العرق بينما تعتمد الجنسية بمجملها على كل هذه العوامل السابقة المتداخلة“.

الجنسية وتعدد مفاهيمها

تتعمق هذه التعقيدات مع تغير مفهوم الجنسية من دولة إلى أخرى، فبالنسبة لعالم الاجتماع الألماني توماس فايست أنّ الجنسية عبارة عن صفقات متبادلة بين الدولة والمواطن.

بالنسبة لعمر حمدان البالغ من العمر ٢٧ عاما والعامل في مجال التحكيم الدولي، تختلف الهوية والجنسية عن بعضهما البعض وقد لا يكون لواحدة علاقة بالأخرى. الشاب الذي يسعى لبناء مستقبل دائم لنفسه  في بريطانيا يرى في الجنسية التي يحصل عليها أمرا “منفصلا عن الهوية التي يعتز بتاريخها” فيعرف عن نفسه من فوره كفلسطيني أردني بمعزل عن الجنسية التي سيتحصل عليها لاحقا.

ليس للانتماء مكان في أي من التعريفات السابقة المتصلة بالجنسية في الدول الليبرالية الغربية، وهو بالذات ما يدفع إلى التساؤل عما إذا كان لتلك الدول حقا هوية أو طابع موحد يميزها عن غيرها.

يجمع معظم من قابلتهم من عرب لندن على الإشارة إلى كون الثقافة والعراقة طابعان مميزان للحضارة البريطانية. بالنسبة لمحمد نزار والعشريني المهاجر لبريطانيا عمر حمدان، تلعب صورة البريطاني المثقف دوراً كبيراً في تعريف هوية البلاد. عبير ويغهام، المغتربة الأردنية الأصل تقيم في بريطانيا منذ ١٧ عاماً، تؤمن بأن الهوية البريطانية، بخلاف نظيرتها العربية، متعددة وليس لها طابع محدد الماهية.

يبدو التعدد في الهويات في بريطانيا ناتجا عن انفتاح البلاد على منح جنسيتها للعاملين لديها فور استكمالهم نحو سبع سنوات من العمل والعيش هناك. هذا الانفتاح في منح المواطنة مضافا إليه التوسع في قبول طالبي اللجوء جعل البلاد حاضنة لستة ملايين من غير البريطانيين، استوفى ١٩٠ ألفا منهم في ٢٠٢١ شروط وامتحان التاريخ البريطاني اللازم للحصول على الجنسية. في ذات العام كانت السلطات استقبلت اكثر من ١٣٧ ألف لاجئ.

 لكن وبالرغم من أنّ التجنيس يسعى إلى إقناع المهاجر بالاستثمار في البلاد المستضيفة ويساعد، افتراضا، سكانها الأصليين على تقبل الآخر، إلا أنّ النتائج التالية لذلك قد يهددها الإفراط في التمسك أو التنازل عن بعض المعايير المكونة للهوية الوطنية. بالفعل، تعترف الحكومة، على لسان مسؤوليها، بتدهور الهوية البريطانية.

بالرغم من أنّ التجنيس يسعى إلى إقناع المهاجر بالاستثمار في البلاد المستضيفة ويساعد، افتراضا، سكانها الأصليين على تقبل الآخر، إلا أنّ النتائج التالية لذلك قد يهددها الإفراط في التمسك أو التنازل عن بعض المعايير المكونة للهوية الوطنية.

في عام ٢٠٠٦، أعلن وزير التعليم البريطاني عن نيته مراجعة المنهج الدراسي للطلبة من الأعمار ١١-١٦ في بلاده لجعل ”القيم الموحدة البريطانية“ جزءاً منه. وقد جاءت تلك المراجعة، وفق المسؤولين، بعد ستة شهور من الدراسات المعمقة للوضع المحلي. وفق المستشار السابق في وزارة الداخلية، كيث أجيغبو، وجدت التحقيقات أن المناهج المدرسية بالكاد تتطرق لهوية البلاد. ” هناك الكثير مما يتعين القيام به لتوفير الغِراء الذي يربط الناس ببعضهم [في بريطانيا].” قال المسؤول.

 كانت تلك الدراسات والتعقيبات قد جاءت في سياق أمني قلق أعقب سلسلة من الهجمات المسحلة التي تعرضت لها بريطانيا في السابع من يوليو\ تموز ٢٠٠٥، على يد بعض حاملي الجنسية من غير السكان الأصليين. دفعت تلك الحادثة الرأي العام إلى الاقتناع بأنها ناتجة عن ضعف وحدة الهوية البريطانية واتجاه شرائح من السكان إلى تعريف أنفسهم بالاستناد إلى أصولهم العرقية والدينية.

معادلة الانتماء في بلاد متعددة الثقافات

ومع توالي مثل تلك المشكلات التي تطرحها مجتمعات “التعدد الثقافي” multi-culturalism والتي باتت بدورها، أي تلك المجتمعات، ظاهرة دولية في عصر العولمة، يحاول الأكاديميون جاهدين إيجاد المعادلة الدقيقة التي يمكن من خلالها حل تلك المعضلات. 

بعض الأكاديميين الغربيين باتوا يرون أن القومية، باعتبارها حركة ايديولوجية تكرس الاعتزاز بالهوية والحفاظ على استقلالية حاملها، لا تتعارض بالضرورة مع فكرة التعدد الثقافي للمجتمعات. كلا المصطلحين يكملان بعضهما البعض على نحو يجعل من تعزيز الهوية الوطنية مقدمة لازمة لتأمين أحوال مجتمعات التعدد الثقافي، على ما يرى اساتذة الدراسات السياسية  في كلية لندن للاقتصاد إيفا ماريا ودافين هاليكيوبولو وستيفين موك.

لكن السؤال العالق في هذه الحال يغدو: كيف لمجتمع متعدد الهويات أن يقدم هوية وطنية موحدة يعتز بها الجميع رغم اختلافهم؟

 الأمثلة المتوفرة أمامنا للإجابة عن ذلك السؤال تبدو غير مشجعة.

 في فرنسا، تصطدم سياسة البلاد باستقبال المهيئين لقبول ما تعنيه هويتها، إذ تبقى هذه الأخيرة صارمة في تعاملها وقبولها للأقليات ممن تتعارض خلفياتهم وقيمهم معها. يحيل هذا التناقض على الجدل الشائك بين ميثاق العلمانية في الدستور الفرنسي من جهة، ومبدأ الحرية في قيم الثورة الفرنسية (١٧٨٩) حيث يتجسد هذا الاشتباك في قرارات منع الحجاب على سبيل المثال.

على أن تلك المنطقة الرمادية في جدلية الهوية القومية مقابل التعدد الثقافي في الغرب لا تقتصر على التطبيق الفرنسي فقط. ففي الدنمارك، التي عُرفت يوماً بوصفها دولة متجانسة صغيرة مع قدر كبير من التسامح، كشفت حادثة الرسوم الكرتونية للنبي محمد عليه السلام الستار عن زاوية عمياء مشابهة في تطبيق البلاد لفكرة الهوية الدنماركية. هناك، بدا أن حدود التسامح في حرية التعبير ليست مرتبطة باحترام المعتقدات الدينية للآخر المختلف ثقافيا.

كشفت حادثة الرسوم الكرتونية للنبي محمد عليه السلام الستار عن زاوية عمياء مشابهة في تطبيق البلاد لفكرة الهوية الدنماركية.

تطول لائحة الدول التي حاولت وتعثرت في المزج بين الهوية القومية الموحدة واعتبارات التعدد الثقافي نتيجة تلك الزوايا المظلمة في التطبيق. مع أنّ الاعتقاد السائد يفيد بأنّ منح الجنسية يساعد مواطني الدولة المستضفية على تقبل الآخر، إلا أن التطبيق الإشكالي لمعادلة الهوية الوطنية في إطار التعدد الثقافي بات يخلق آثارا عكسية على سكان البلاد الأصليين. يبدأ استقبال المهاجرين بتصور مسبق بأهميته في فتح مدارك المجتمعات المستضيفة وتخفيف حدة اعتزازها، المتعصب، بالهوية الوطنية الرافضة لغيرها.

لكن، مع مرور الوقت، وتناسل خيوط الشعور القومي، يأخذ هذا الانفتاح بالتراجع، وتتزايد الانزياحات نحو التيار اليميني الذي  تترشح  زعماته لقيادة البلدان الأوروبية اليوم كما حصل مع رئيسة الوزراء الإيطالية المنتمية للحركة الفاشية الجديدة “جيورجيا ميلوني”، أو حزب الفنلنديين في فنلندا، والحزب المعارض للهجرة وتعدد الثقافات في السويد؛ ديمقراطيو السويد.

توجه عربي لفتح أبواب التجنيس الموصدة

عربيا، تحديدا لدى معاينة القرارات الأخيرة لدول خليجية مثل الإمارات والمملكة العربية السعودية بفتح أبواب التجنيس فيهما، يبدو الحذر والتأن الشديدان باديان في السياسات؛ إذ يجري  فتح الأبواب للمهاجرين وفق شروط أكثر صعوبة من تلك التي تطلبها فرنسا وبريطانيا كأن يطلب من الساعين للتجنيس تقديم إنجاز ملحوظ وعائد مهم على الدولة المضيفة.

تلقى الإعلان الإماراتي عن فتح أبواب التجنيس ترحيباً واهتماماً ملحوظين ضمن إطار عام التسامح في ٢٠٢١، إلا أن الخطوة لم تنجُ من الانتقاد أيضاً؛ إذ نظر لها باعتبارها أداة لاستقطاب الطبقة المخملية في المجتمعات المجاورة وليس العامة التي عملت في البلاد لأجيال، على ما ترى  ناتالي كوتش المختصة في مواضيع المواطَنة والشؤون العامة بجامعة سيراكيوز في ولاية نيويورك، في تعليق لها لمعهد الشرق الأوسط ”Middle East Institute“ في العاصمة الأمريكية واشنطن.

وركزت الانتقادات على اعتبار القرار مفضِّلا ل ”المواطنة الاقتصادية“ على أشكال الانتماء الأخرى. وفي وقت لن يؤثر هذا النهج في التجنيس على “نخبة المهاجرين، الذين يتمتعون بالفعل بامتيازات قائمة على الثروة” وفق تلك الانتقادات، إلا أنه يترك مسألة البقاء في الخليج لغير المواطنين ممن ولدوا ونشأوا هناك دون إجابة واضحة.

لا تقتصر هذه السياسة على الإمارات بل اتجهت السعودية نحو نهج مماثل، معلنة في تشرين ثاني\ نوفمبر من عام ٢٠٢١ عن منح الجنسيات للمواهب ”الاستثنائية“.

وإن كانت هذه القرارات لا تزال تحدث شقاً مهما، وإن كان كان صغيرا، في الأبواب نحو إمكانية خلق بيئة تسمح بالهجرة المعاكسة للعقول العربية، إلا أنها لا تزال محل انتقاد متكرر بوصفها هادفة لنفع الدولة المستقبلة في المقام الأول.

 لكن حتى وإن كانت هذه الانتقادات على صواب، يبقى أنها تتناسى أنّ سياسات الدول في هذا السياق في عمومها تتوخى الفائدة والعودة بالنفع عليها بالدرجة الأولى قبل المهاجرين. 

في ألمانيا، على سبيل المثال، لم يكن الاستقبال الكبير للاجئين خلال أوج الاحتجاجات السورية، وليد التلاحم الإنساني والتعاطف البشري بالدرجة الأولى، إذ كان مدفوعا بالمشاكل الديمغرافية لقارة عجوز تتراجع فيها أعداد اليد العاملة مقابل زيادة مضطردة في من يصلون سن التقاعد. منذ ٢٠١٥، عاد الاستقبال للاجئين بالنفع على جهود محاربة البطالة في البلاد؛ إذ انخرط أكثر من نصف هؤلاء  في سوق العمل وباتوا مساهمين رئيسين في تنمية العوائد الضريبية.

 ومع ذلك، تشتكي نسبة كبيرة من المهاجرين لألمانيا من توظيفها في أعمال تقل عن مستوى خبراتها ومهاراتها.

نحو ٤١٪ من اللاجئين في البلاد لأكثر من ست سنوات يقولون إنهم يعملون في مواقع تقل عن تلك التي كانوا يشغلونها في بلدانهم أو تلك التي تخولهم شهاداتهم للعمل فيها، وفق مؤسسة بحوث سوق العمل الحكومية

وكانت الإذاعة الدولية لألمانيا، دوتشه فيله، قد نقلت قصص عدد من هؤلاء اللاجئين، وقد أشار الباحث فيليب جاشكيه، في حديثه للإذاعة أن السبب ذو صلة بما وصفه الاختلاف في المؤهلات التي تتطلبها فرص العمل من دولة لأخرى. 

بالفعل، في الخليج، تختلف التركيبة السكانية عنها في أوروبا ما يشكل بطبيعة الحال اختلافاً في متطلبات الحكومات، مع ذلك لا يبرر التقرير لأي سياسة أو قرار، بل يشير إلى وجود فائدة عائدة على الحكومات عربية كانت أم غربية مهما زادت أو قلت الانتقادات العامة حول الانفتاح نحو منح الجنسية. أما مسألة الانتماء فهي معادلة دقيقة أخرى تأخذها الدول في عين الاعتبار، وتخشى من تداعيات فشلها على نسيج الهوية الوطنية.

تبدو رحلتي اليومية في  قطار لندن كافية لرسم صورة دقيقة ومعقدة لجدل الجنسية والانتماء. في تنقلي المعتاد من غرب المدينة إلى وسطها، أرى أعدداً لا تحصى من الجنسيات والأعراق، بعضهم بريطاني المولد، أو الهوى، وآخرون بريطانيون بحكم العقد المبرم بينهم وبين الدولة. على أن لكل واحد من هؤلاء هويته التي يتكئ عليها في التعبير والتعريف؛ أحدهم ذلك العربي المهاجر الذي بات بريطانياً ليعيش عروبته حراً.

سارة التميمي، صحفية وباحثة مهتمة بالقانون الدولي وتحمل درجة الماجستير فيه.

الاماراتالخليجتأشيراتلاجئونهجرة