المختبر الفلسطيني: كيف تستخدم إسرائيل تجارة السلاح لحشد العالم خلفها

نشرت هذه المقابلة باللغة الإنجليزي على موقع مجلة “الطريق الطويل” في حزيران\ يونيو ٢٠٢٣.

ترجمة: الآء حيمور

للكاتب باتريك ستريكلاند 

يستكشف الصحفي والكاتب أنتوني لوينشتاين في كتابه الأخير كيف أن التكنولوجيا الإسرائيلية التي تستخدم لفرض الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، باتت تُصدَّر عبر الحدود حول العالم. 

كتاب “مختبر فلسطين: كيف تصدر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم”، الصادر عن دار “فيرسو بوكس” في الثالث والعشرين من أيار/ مايو، كتاب قاتم وناتج عن أبحاث معمقة، فهو يخوض بعمق في السياسة العالمية التي أتاحت لإسرائيل أن تحوّل الفلسطينيين إلى مواد اختبار  لتقنيات المراقبة والتكنولوجيا العسكرية، وتحول فلسطين نفسها إلى حقل تجارب. 

يأتي نشر الكتاب بعد فترة قصيرة من حلول الذكرى الخامسة والسبعين لما هو متعارف عليه بين الفلسطينيين باسم “النكبة”، وهي أحداث العنف والتطهير العرقي التي دمرت مئات القرى الفلسطينية وشردت مئات الآلاف من الفلسطينيين خارج حدود بلادهم وأدت إلى نشوء الدولة الإسرائيلية. 

كما يأتي في أعقاب تصاعد آخر في الضربات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو قطاع ساحلي محاصر يعيش فيه نحو مليوني فلسطيني.

تحدثنا في مجلة لونغ رود مع لوينشتاين عن كتابه، بالإضافة إلى التكنولوجيا الإسرائيلية المستخدمة على الحدود في أوروبا وأمريكا الشمالية، والحدود التي تفرضها القوات الإسرائيلية على الفلسطينيين. 


باتريك ستريكلاند: أبارك لك نشر كتاب “مختبر فلسطين”، أنتوني. تذكُر في البداية في الكتاب كيف أن أجدادك هربوا من النازية في أوروبا وأصبحوا لاجئين، وأنت تغطي أخبار إسرائيل وفلسطين منذ عقود، بصفتك شخصًا هرب أجداده من إبادة جماعية، كيف أثرت تلك التجربة على أسلوبك في تغطية ما يتعلق بإسرائيل وفلسطين طوال هذه الأعوام؟

أنتوني لوينشتاين: كما أقول نوعًا ما في بداية الكتاب، فإنني بشكل عام أكتب كثيرًا عن تاريخي الشخصي، لكنني أطرح الموضوع بشكل جزئي في نقاش مع دار فيرسو الناشرة، وأنا أفعل ذلك بهذه الطريقة للعديد من الأسباب. لقد نشأت في مدينة “ميلبورن” في أستراليا والتي كانت إبان فترة نشأتي في السبعينيات والثمانينيات تؤوي أعلى النسب من الناجين من المحرقة في كافة دول العالم ما عدا إسرائيل. وقد انتهى المطاف بالكثير من الناجين من المحرقة في أستراليا للعديد من الأسباب، سواء في عام 1939 عندما كانت الحرب في بداياتها أو بعد الحرب عام 1945 وما بعد ذلك. وقد نشأت في بيت يهودي ليبرالي. 

 بالنسبة للعديد من المستمعين الذين قد يكونون من اليهود أو ممن لهم أصدقاء أو أفراد من العائلة من اليهود، لقد كان من الاعتيادي حينها، ولا زال من الاعتيادي إلى الآن، أن تدعم إسرائيل؛ فهي شيء يتوقع منك أن تدعمه، وشيء من الواضح أننا نشأنا عليه، وهي فكرة أن إسرائيل ليست أرض الميعاد، فأنا في الواقع لم يخبرني أحد بهذه الخرافة، بقدر ما هي تشكل طريق هروب ممكن في حال -لا قدر الله- ظهر نظام آخر على نمط النازية. وقد لا يعلم بعض المستمعين أنه بصفتك يهوديًا وإن استطعت إثبات يهوديتك، وهو أمر تقوم به إسرائيل بطريقة إشكالية للكثير من الأسباب، ولكن إن كنت قادرًا في الأساس على إثبات يهوديتك، ويكون ذلك بشكل أساسي بإثبات أن والدتك كانت يهودية، فإنه يمكنك الذهاب إلى إسرائيل، كما أنك ستحصل على جواز سفر وستكون مواطنًا إسرائيليًا في غضون شهرين إلى ثلاثة على الأرجح. 

أنا لا أملك جواز سفر إسرائيلي، ولن أحاول الحصول عليه لأسباب مبدئية، ولكن فكرة إسرائيل بصفتها ملاذًا آمنًا لطالما كانت شيئًا نشأت عليه، شأني شأن كثير من اليهود في الماضي وفي الحاضر، مع أنني أعتقد أن الأمر آخذ بالتغيير قليلًا الآن. 

معظم أفراد عائلتي قتلوا في المحرقة، فلم تنجُ الغالبية العظمة منهم، وهي إلى حد ما قصة يهودية أوروبية تقليدية. كانوا يعيشون في ألمانيا وفي النمسا، وقد انتهى المطاف بالعديد منهم في “أوشفتس” حيث أُبيدوا. أما من غادر منهم عام ١٩٣٩، أي قبيل بدء الحرب، فقد وجدوا أنفسهم في أي مكان كانت الدولة فيه تقبل بهم؛ في أستراليا وكندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ولم يذهب أي منهم، على حد علمي -بالطبع فلسطين لم تكن إسرائيل حينها، بل كانت فلسطين- ولكن لم يذهب أي منهم إليها على حد علمي. 

لذلك، فقد كان هذا يشكل جزءًا كبيرًا من نشأتي. لقد لُقنت كافة الخرافات، ومررت بكل العمليات؛  “نحن الشعب المختار”، أعني أنني أتحدث عن الأمر حينها والآن بصفتي يهوديًا علمانيًا. لسنا بالمتدينين، وأنا أعتقد أنه بالنسبة للعديد من اليهود فإن إسرائيل أصبحت بمثابة دين لهم، فقد جاءت لتحل محل كل أشكال التدين التقليدي من قبيل الذهاب إلى المعبد. حتى أن اليهود شديدو الليبرالية قد يزورون المعبد في عيد الفصح أو أي أعياد يهودية مهمة أخرى، ولكن الفلسطينيين بالعموم كانوا وكأنهم غير موجودين. عندما أقول أنهم كأنهم غير موجودين فهذا يعني أنه لا يُسمع لهم ضمن المجتمع اليهودي ولا يُتحدث عنهم، ناهيك عن أنه تتم شيطنتهم. وبالطبع فقد نشأت قبل وجود الإنترنت الذي أعتقد أنه يحدث فرقًا كبيرًا، وأنا لا أقول هذا بهدف التبرير إنما التفسير، إذ كان عرض وجهة النظر الفلسطينية وسماعها على وسائل الإعلام أكثر صعوبة. حينها كان الفلسطينيون غائبون إلى حد كبير، لذلك فإن الكثيرين في المجتمع اليهودي وفي اللوبي الإسرائيلي ومن أفراد عائلتي شيطنوا الفلسطينيين والعرب، إذ كان يقال أنهم النازيون الجدد وأنهم يريدون قتلنا جميعًا وإلقاءنا في البحر، وكان ينظر إلى ياسر عرفات، الرئيس الفلسطيني حينها، على أنه هتلر الجديد. هكذا كانت الرواية السائدة. وأنا لا أقول أنني كنت أصدقها تمامًا، بل إلى حد ما كنت أصدقها قليلًا، فمن الصعب أن لا تصدقها وأنت في العاشرة أو الحادية عشرة أو الثانية عشرة من العمر.

بالنسبة للعديد من اليهود فإن إسرائيل أصبحت بمثابة دين لهم، فقد جاءت لتحل محل كل أشكال التدين التقليدي من قبيل الذهاب إلى المعبد

مع مرور الوقت، بدأت بالتشكيك بها أكثر، وكنت لا أشعر بالراحة حيال العنصرية التي كنت أسمعها على المائدة مع العائلة أثناء اجتماعنا لتناول وجبة السبت أيام الجمعة. وعندما التحقت بالجامعة في أواسط التسعينيات، وكان ذلك -مجددًا- قبل انتشار الإنترنت، بدأت بالقراءة على نحو أوسع. بحلول ذلك الوقت كنت قد ذهبت إلى إسرائيل وفلسطين للمرة الأولى عام ٢٠٠٥ وقد كنت أجري الأبحاث لتأليف كتابي الأول “سؤالي عن إسرائيل“. حتى حينها، كانت آرائي مختلفة إلى حد ما عما هي الآن. ذكرت أنني كنت أؤمن بحل الدولتين وكنت أصف نفسي بأنني صهيوني، وهما أمران لم أعد أؤمن بهما، ولكن هذا ما كنت أؤمن به قبل عشرين عامًا من الأعوام الغريبة! 

باتريك ستريكلاند: طبعًا هناك ملايين اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين حول العالم، بعضهم هُجّر أسلافهم عام 1948 في حين هُجر أسلاف آخرين عام 1967، وقد هُجر آخرون بعد ذلك. ولكنك تكتب أيضًا باستفاضة عن المسارات القاتمة للاجئين الأفارقة الذين يهاجرون إلى إسرائيل. كيف يبدو سجل إسرائيل عندما نتحدث عن طالبي اللجوء من الأريتيريين والسودانيين وغيرهم؟ 

أنتوني لوينشتاين: فظيع، هذه هي الإجابة المختصرة. بالتأكيد طوال تاريخ إسرائيل كانت هناك أوقات كان يُقبل فيها لاجئون أفارقة محددون من اليهود ولكن بأعداد ليست كبيرة. فمثلا، قُبل اليهود الإثيوبيون في فترات عديدة في تاريخ إسرائيل ومنحوا الجنسية، وذلك على الرغم من أن الكثير من اليهود الإثيوبيين لم يُقبلوا، بل إن الكثيرين من أصحاب البشرة الداكنة والأفارقة السود وغيرهم ممن يقولون إنهم يهود لم تقبل بهم إسرائيل ببساطة. 

أنا أرى إسرائيل اليوم في الحقيقة على أنها تجسيد لشكل من أشكال التفوق الأبيض

أنا أرى إسرائيل اليوم في الحقيقة على أنها تجسيد لشكل من أشكال التفوق الأبيض، وأنا أقول هذا لأن هناك عنصرية متجذرة ضد العرب بالتأكيد والأفارقة أيضًا. ثم تأتي بعد ذلك ضد القادمين من أرتيريا مثلا والسودان وجنوب السودان والعديد من الأفارقة الذي دخلوا إسرائيل قبل سنوات عبر الحدود، وأنا أتحدث عن قصص بعضهم في الكتاب ولا زلت على تواصل مع بعضهم. بعضهم لايزال في إسرائيل، ولكن بعضهم الآخر غادر بسبب العنصرية الهائلة ضدهم وقد حاولوا أن يجدوا أماكن أفضل.أحدهم انتهى المطاف به في ألمانيا وعبر المتوسط بقارب في رحلة خطيرة، وهنالك الكثير من القصص الجنونية مثل هذه. 

ولكن هناك عنصرية متجذرة، وهذا مستوى يتجاوز العنصرية، فهناك درجة من نزع الصفة الإنسانية وعدم النظر إليهم، لا على أنهم غير يهود فحسب بل على أنهم مواطنون غير مساوين لهم كذلك أو أشخاص غير مساوين لهم، وأنهم يجب أن يُنبَذوا ويُطرَدوا. في أواخر السنوات العشرين الماضية، لا أستطيع أن أعطيك العدد بالضبط، ولكن عدد اللاجئين الأفارقة الذين قبلت بهم إسرائيل ليكونوا مواطنين على خلفية هروبهم المشروع من الاضطهاد هو عدد ضئيل جدًا. أعتقد أنهم عشرة أشخاص إن لم يكونوا أقل، أعني أنه عدد بالغ الصغر. أما هؤلاء فهم أشخاص لم يفروا من الاضطهاد بصورة مشروعة- السودان وجنوب السودان وإريتريا. 

من الجوانب العجيبة التي لا أتطرق لها في الكتاب إلا بشكل بسيط هي أن إسرائيل في السنوات العشرة الماضية تقريبًا حاولت عقد صفقات مع جميع هذه الدول الأفريقية القمعية بحيث تقدم لهم رشوات، وبذلك فهم يذهبون إلى المهاجر الإفريقي لنقل في تل أبيب مثلًا ويقولون له: “حسنًا، لقد تم رفض طلب اللجوء الخاص بك. لا يسمح لك بالبقاء هنا ولكن لا تقلق، فقد حجزنا لك تذكرة عودة رائعة إلى أوغندا ورواندا. سنمنحك 3500 دولار أمريكي وعندما تعود إلى هناك ستُقدم لك المساعدة للعثور على عمل”. في البداية اعتقد الناس أن هنذا يبدو أمرًا جيدًا، ولكن سرعان ما أصبح من الواضح أن هذا كله كذب. لقد قابلت عددًا من هؤلاء المهاجرين الأفارقة الذي رُحِّلوا قسرًا من إسرائيل، كما ذكرت سابقًا، إلى أوغندا أو رواندا. إنهم يصلون إلى هناك وسرعان ما تحتجز جوازات سفرهم من قبل السلطات ولا يوفر لهم عمل وكثير منهم يقررون أن يغادروا ويحاولون العثور على مكان أفضل للعيش.

قابلت بعضهم عندما كنت في جنوب السودان عام ٢٠١٥ من بين جميع الأماكن. جنوب السودان منطقة حرب، وفيها مصادر بالغة الندرة، وهي غاية في الفقر، ولا تتوفر فيها الوظائف، لذلك ففكرة وجود إسرائيل، بصفتها دولة أنشئت بذريعة حماية اليهود بعد أكثر الأحداث التي مر بها اليهود كارثية، أي المحرقة، ولكن مع ذلك وبعد عقود يظل هنالك تصاعد لا في الخطاب المعادي للأفارقة فحسب بل كذلك محاولات لنوع من ترحيل المشكلة. 

أنا متأكد أن الكثيرين يدركون أن أستراليا لديها سياسية تعامل سيئة السمعة للتعامل مع اللاجئين، إذ غالبًا ما ترسل اللاجئين القادمين بالقوارب قسرًا إلى جزر صغيرة محددة مثل ناورو وبابوا غينيا الجديدة. هذه بلدان تقدم لها رشى لتستقبل هؤلاء المهاجرين وتؤويهم في ظروف هي غاية في الفقر، بل كانت هنالك أحداث شغب وحالات اغتصاب وموت وقتل وسجل فظيع. أما أستراليا فباتت شيئًا فشيئًا تمثل نموذجًا تحتذي به دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. أنا لا أقول أن أن سياسة المهاجرين الأوروبية ناتجة عن الإملاءات الأسترالية فقط، فهي ليست كذلك. ولكنني أعددت عددًا من التقارير مؤخرًا لصالح العديد من وسائل الإعلام، وقد ذكرت بعضها في الكتاب، عن سياسة المهاجرين الأسترالية وما يطلق عليه اسم “الترحيل”، أي إرسال الأشخاص إلى أماكن لا تحظى باهتمام إعلامي كبير أو تغطيات إعلامية، ليتم بذلك إلى حد ما تغييبها. 

وهذا ما تحاول إسرائيل فعله من خلال إرسال المهاجرين، الذين بالمناسبة كانوا ليُمنحوا صفة اللجوء لو كانوا في أي بلد تتعامل بإنسانية وعقلانية، لأن الكثيرين منهم، إن لم يكن أغلبهم، فارون من اضطهاد. إن كنت قادمًا من أرتيريا التي كانت ولا زالت منذ عقود دولة قمعية تفرض على الشبان خاصة الخدمة العسكرية إجباريًا للقتال في حرب جنونية ضد إثيوبيا، فكثير من الناس فروا وكان معهم الحق في ذلك. الفكرة هي أن عدم منح شخص مثل ذلك، وقد قابلت بعضهم في جنوب السودان وفي إسرائيل،  حق اللجوء ستكون غريبة، ولكن هذا ما تفعله إسرائيل، وهنالك معارضة قليلة جدًا في إسرائيل لذلك.

بالطبع هنالك بعض اليهود الإسرائيليين الذين يعارضون ذلك، بالتأكيد، كما أن هنالك بعض الفلسطينيين، ولكن الأمر يحظى بالتأييد بشكل عام. اطردوهم، تخلصوا منهم، أعيدوهم إلى إفريقيا، إنها ليست مشكلتنا، بل هي ناتجة في جزء منها عن العنصرية وفي جزء آخر عن أن الكثيرين من اليهود الإسرائيليين من ذوي التوجهات الأكثر تشددًا، والذين أعتقد أنهم يشكلون الأغلبية على الأرجح، لا يريدون أشخاصًا سود البشرة في بلادهم، وهم يقولون ذلك صراحة. هذا ليس بالأمر الذي أخمنه، بل إن هناك عددًا هائلًا من الناس، من الحاخامات والسياسيين والنشطاء، يقولون ذلك، وهو أمر قد يشكل صدمة ليهودي، علي أن أعترف بذلك. إنه أمر صادم. 

باتريك ستريكلاند: أنت تكتب عن علاقة إسرائيل مع ميانمار وصفقات الأسلحة لتلك الدولة. كما أنك تكتب عن صفقات بيع السلاح لجنوب السودان مثلًا، فكيف تصف انخراط إسرائيل في أزمات التهجير حول العالم في السنوات الأخيرة؟

أنتوني لوينشتاين: جنوب السودان تعد مثالًا مهمًا، فجنوب السودان غالبًا ما يتم تهميشه في وسائل الإعلام الغربية، وأنا أقول هذا كوني عشت هناك عام 2015. غالبًَا ما كان جلب الاهتمام الإعلامي أمرًا شاقًا، من ناحية وسائل الإعلام الغربية، إن أردنا وصف ذلك وصفًا لطيفًا. ولكنني أعتقد أن إسرائيل تبيع الأسلحة لسببين رئيسيين؛ أحدهما وهو سبب واضح يتمثل بكسب النقود، بالرأسمالية. وهذا هو السبب الذي يدفع الولايات المتحدة لبيع الأسلحة، كما يدفع فرنسا والكثير من الدول كذلك لبيعها. إنها تفعل ذلك لجني الأرباح وامتلاك التأثير على ما أعتقد على أمل أنها من خلال بيعها للأسلحة للدولة الفلانية أو غيرها فإن هذه الدول سترد الجميل بطريقة ما. ما الذي يعنيه ذلك؟ قد يكون على شكل تصويت في الأمم المتحدة بطريقة ما، وهو ما تأمل إسرائيل في الأغلب أو تدفع باتجاهه عندما تعقد هذا النوع من صفقات الأسلحة، ولكنني أعتقد أن هنالك سببًا آخر. 

التصويت في الأمم المتحدة لصالح إسرائيل هو ما تأمله الأخيرة في الأغلب أو تدفع باتجاهه عندما تعقد صفقات السلاح مع دول العالم

عندما نتحدث عن الأسلحة هنا فإننا نتحدث عن كل شيء، من البنادق وحتى الوصول إلى أشياء أكثر بكثير، مثل معدات التجسس أو دروع الدفاع الصاروخية أو مجموعة واسعة من الأدوات الأخرى التي يطلق عليها اسم الجدران الذكية، مثل تقنيات التعرف على الوجوه أيضًا، وأدوات القياسات الحيوية. هنالك نطاق واسع من هذه الأشياء… في رواندا خلال الإبادة الجماعية عثر على أدلة تشير إلى أن إسرائيل كانت تبيع الأسلحة للنظام خلال فترة الإبادة.

ميانمار كانت أيضًا ترتكب إبادة جماعية تقريبًا في العامين 2016 و2017 ضد أقلية الروهنغيا المسلمة، والتي إما قتل أو شرد كثير منها إلى بنغلادش، وهذا إلى حد ما جعلهم يصلون إلى هذا المأزق المرعب اللانهائي. إسرائيل كانت ترسل نماذج من معدات التجسس وغيرها من الأسلحة والبنادق وغيرها. وفي تقرير الأمم المتحدة عن عملية الإبادة الجماعية تلك، التي أطلق عليها وصف الإبادة الجماعية، ذكرت إسرائيل بوصفها ساهمت فيها. 

 قد تعتقد في بادئ الأمر أن ذلك شنيع، ثم ماذا يحدث؟ لا شيء. الآن عندما أقول أن لا شيء يحدث فأنا أعني أن إسرائيل لم تغير سياستها حقًا فيما يخص بيع الأسلحة لهذه الدول وهنالك دول أخرى كثيرة، أذكرها في الكتاب وأفصل عنها أكثر ليتمكن الناس من تقدير حجم الأمر. وهو أمر يحدث تقريبًا في كل الأماكن في العالم، في الأمريكيتين وإفريقيا وآسيا وحتى في الدول الديمقراطية. 

أنا لا أتحدث عن الدول الديكتاتورية فقط، رغم أنني لم أذكر سواها. فهم يبيعون الكثير من الأسلحة لدول أخرى أيضًا توصف بالديمقراطية، وهذه الأسلحة قد تكون على شكل معدات تجسس أو قرصنة تخترق هواتف الناس من نوعي آيفون وأندرويد. فما هو المبدأ الذي يستند إليه هذا كله؟ المال والنفوذ، كما أن بعض ذلك يعود إلى محاولة تعزيز وجود مجتمع دولي يتكون من دول ذات تفكير متشابه، وهذا أمر مهم. لذلك فعندما تبيع إسرائيل معدات تجسس أو قرصنة لجنوب السودان، فإنها ليست دولة مشابهة بالتفكير تقوم بذلك لأنها تسعى وراء النفوذ بين دول العالم الحديثة، كما أنهم يأملون أن جنوب السودان ستصوت لصالحهم بطريقة ما في الأمم المتحدة عندما يتعلق التصويت بالاستيطان أو بعض أنواع السياسات. لذلك فليس هنالك توافق أيدولوجي وراء الصداقة أو العلاقات التقايضية.

ولكن عندما يتعلق الأمر بدول مثل الهند أو هنغاريا فإن الأمر يختلف، إذ إنه من الواضح أن الهند هي من أكبر دول العالم كثافة سكانية، كما توصف بالديمقراطية، وبات يحكمها طوال السنوات العشرة الأخيرة تقريبًا رئيس الوزراء مودي الذي يصرح بوضوح أنه أصولي هندوسي يعمل على بناء دولة أصولية هندوسية، فيمارس التمييز ضد المسلمين. أنا لا أقول إن الهند تفعل هذا كله بسبب إسرائيل، فهذا بالطبع غير صحيح، ولكن لديهم مسؤولين هنديين كبار يصرحون بوضوح عن إعجابهم بما تفعله إسرائيل في الضفة الغربية، بالأخص فكرة جلب متطرفين من المستوطنين اليهود لطرد الفلسطينيين من أرضهم، وهذا ما يريد المسؤولون الهنديون فعله في كشمير. منذ عقود وكشمير تشكل منطقة اضطرابات، فهي منطقة ذات أغلبية مسلمة، وما باتت تفعله الهند بشكل متزايد في السنوات الأخيرة هو جلب أعداد كبيرة من الهندوس من المناطق الكبرى في الهند بهدف إضعاف وجود السكان المسلمين. وهذه فكرة مستوحاة من إسرائيل من دون شك، بل ويصرح بذلك مسؤولون هنديون. لذلك فإن صفقات الأسلحة يمكن لها أن تكون تقايضية بالفعل، وحشية ولكنها تقايضية كذلك. ولكنني أعتقد أن إسرائيل باتت تحاول بناء نوع من التحالفات المطاطة وغير الرسمية ما بين الدول ذات التفكير المتشابه. 

ما باتت تفعله الهند بشكل متزايد في السنوات الأخيرة هو جلب أعداد كبيرة من الهندوس من المناطق الكبرى في الهند بهدف إضعاف وجود السكان المسلمين. وهذه فكرة مستوحاة من إسرائيل من دون شك

هنغاريا مثال آخر، فهي دولة صغيرة نسبيًا، ولكن رئيس وزرائها “فيكتور أوربان” لديه نفوذ غير متكافئ على أوروبا كما أنه شديد القرب من نتنياهو وإسرائيل… إنه يعتقد أنه يريد إنشاء نوع من الدول العرقية المسيحية، ويواصل القيام بذلك في الوقت الذي يواصل العالم الوقوف متفرجًا. وهذا يؤثر على سياسة المهاجرين الخاصة به وعلى سياسة الحدود وكل هذه المناحي. وهو ليس مقربًا إلى إسرائيل فحسب، بل إنه اشترى الكثير من التكنولوجيا الإسرائيلية ومعدات التجسس من أجل التجسس على المعارضين والصحفيين والعاملين في مجال حقوق الإنسان الهنغاريين وكل هؤلاء الأشخاص الذين ينتقدون ما يفعله أوربان أو ما بات يطلق عليه اسم الاوربانية. 

باتت المزيد من الدول تجد أن إسرائيل هي النموذج القومي- العرقي المثالي، فهي قائمة منذ ثلاثة أرباع القرن وتحظى بإفلات مطلق من العقاب ولا أحد يوقفها. لا أحد يفعل أي شيء وهي الآن في المرتبة العاشرة على قائمة أكبر مصدري السلاح، وهو ترتيب ليس بالسيء بالنسبة لدولة ضئيلة الحجم. الكثير من الدول تنظر إلى إسرائيل على اعتبارها مصدر إلهام، وهو ما قد لا يكون أمرًا عقلانيًا من وجهة نظر كثير من الناس، وأنا شخصيًا لا أعتقد أنه أمر عقلاني، ولكن يمكنني أن أرى السبب الذي يدفع بكثير من الدول للنظر إلى إسرائيل بهذه الطريقة. 

باتريك ستريكلاند: منذ عام ٢٠١٥ تمكنت أعداد متزايدة من اللاجئين والمهاجرين من أن تصل إلى أوروبا أو أنها حاولت ذلك. وفي الأعوام القليلة الأخيرة ازداد العنف على الحدود ازديادًا حادًا مع قيام الدول الواقعة على أطراف الاتحاد الأوروبي بشن حملات إعادة قسرية أو طرد خارج إطار القانون. فكيف استخدمت التكنولوجيا الإسرائيلية في مراقبة اللاجئين وفي عسكرة الحدود الأوروبية؟

أنتوني لوينشتاين: الكثير مما تبيعه إسرائيل وتروج له يوصف بأنه “مجرب في ساحة القتال”، وهم يقولون هذا بصراحة. “مجرب في ساحة القتال” يعني أنه استخدم في فلسطين أو بما يتعلق بها أو على الفلسطينيين. لذلك فنعم، عدد من المسيرات، ومسيرات “هيرمس” و”هيرون”، وكلتاها مسيرات إسرائيلية، استخدمت للتحليق فوق غزة والضفة الغربية، وفي بعض الحالات كانت مزودة بأسلحة وفي البعض الآخر لم تكن. وقد كانت منذ سنوات تستخدمها شركة إلبيت، وهي واحدة من أبرز الشركات التي تقود الصناعات الدفاعية الإسرائيلية. وهذا يمثل جزءًا من صفقة البيع. 

الكثير مما تبيعه إسرائيل وتروج له يوصف بأنه “مجرب في ساحة القتال”، وهم يقولون هذا بصراحة. “مجرب في ساحة القتال” يعني أنه استخدم في فلسطين أو بما يتعلق بها أو على الفلسطينيين

هناك بعض الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي والوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل والولايات المتحدة الأمريكية، التي تستهويهم حقيقة استخدام تلك التكنولوجيا “بنجاح” في فلسطين. لذلك تسارع استخدامها في السنوات الأخير عقب ما يعرف بأزمة اللاجئين في عام ٢٠١٥ وأقول في هذا المقام إنها ليست أزمة، وإنما أزمة مصطنعة! لكن انظر كيف جرى تصويرها وعدد الدول الأوروبية التي عايشتها. فهل كانوا يريدون تجنب حصولها مرة ثانية؟ ما كانوا ليقبلوا برؤية تلك الأعداد الهائلة من البشر ذوي البشرة الحنطية والسوداء يحاولون دخول بلدان الاتحاد الأوروبي من سوريا وأفغانستان والعراق والبلدان الإفريقية. أظنّ أنّ مليون شخص تقريبًا قدم إلى ألمانيا في عام ٢٠١٥ ومعظمهم مسلمون. وذهب لاجئون آخرون طبعًا إلى دول أوروبية أخرى، ومن هذا المنطلق أتى الاتحاد الأوروبي بقرار حازم وجلي بأنهم سيعزلون أنفسهم ويسدون المنافذ إلى بلدانهم قدر المستطاع، واتخذوا لهذه الغاية مجموعة من الوسائل التي حاولوا تطبيقها، وقد تطرقتَ في كلامك إلى بعضها، لذلك لن أكررها.

أما بخصوص علاقة إسرائيل بهذه المسألة كلها، فهي تتلخص باعتماد الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل على طائرات إسرائيلية دون طيار لمراقبة بعض مناطق البحر الأبيض المتوسط، على أن تتولى مراقبتها على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع. وصحيح أن تلك الطائرات غير مزودة بأسلحة، لكنها أشبه بعيون راصدة في السماء. ولعل أهم الأسباب التي دعت إلى استخدامها هو القرار السياسي الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي في السنين الأخيرة، وإن أنكره وامتنع عن الإقرار به؛ إذ ارتأى الأوروبيون أنهم يريدون ترك المهاجرين يغرقون ويموتون في مياه المحيط.

لا يسعك أن تتعاطى مع سياسة أشد سوداوية ووحشية من هذه، فهم لم يكتفوا بتجريم تصرفات قوارب الإنقاذ في إخراجها المهاجرين من المياه ونقلهم إلى بر الأمان وعلاجهم، وإنما كانوا يدعون لترك الناس إلى مصيرهم المحتوم بالغرق، والطائرات الإسرائيلية دون طيار كانت العيون الراصدة للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل، التي تتيح لها معرفة المهاجرين العالقين في مياه البحر وأمكنتهم، وتحديد ما إن تعرضوا إلى مشكلة ومدى حاجتهم إلى المساعدة. ففي حالات قليلة أرسلت المساعدة إلى بعضهم، لكن الأفراد المهاجرين، المحظوظين منهم، كانوا ينقلون في معظم الحالات إلى منظمات أوروبية غير حكومية. ومنظمة سي ووتش واحدة منها، وقد تطرقت إليهم في الكتاب، وهم يؤدون أمورًا تفوق قدراتهم، فلا يمتلكون إلا بعض قوارب الإنقاذ، لكنني أنظر إلى أفعالهم بعين الإعجاب، وأراهم أشخاصًا ملهمين في عملهم، غير أنه يتعذر عليهم مراقبة البحر الأبيض المتوسط مراقبة شاملة ودقيقة، لا سيما أنّ عدد القوارب لديهم قليلٌ. أما المهاجرون الذين تنقذهم مراكب الاتحاد الأوروبي، فيرسلون عادة إلى خفر السواحل الليبي ومن ثم إلى ليبيا، حيث توجد هناك أسواق لبيع العبيد. وفي الواقع هذه هي حقيقة سياسة الحدود لدى الاتحاد الأوروبي، التي تندرج ضمنها عمليات إرجاع المهاجرين، وتؤدي فيها إسرائيل دورًا محوريًا يتجلى في المراقبة والرصد. 

ومن المعلوم أنّ الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، فإذا صادفت أفرادًا يصرحون بأنّ الدول الأوروبية تستهجن بشدة أفعال إسرائيل، لا سيما في فلسطين، فاعلم أنه محاولة لذر الرماد في العيون، ومحض هراء لا أكثر. صحيح أن الاتحاد الأوروبي يصدر أحيانًا بيانًا يعرب فيه عن قلقه بخصوص المستوطنات، وقد تدلي بعض دول أوروبا الغريبة بتصريحات أشد لهجة، لكنّ الاتحاد الأوروبي يظل معتمدًا على الإجماع في قراراته، والإجماع ينص أنهم لا يريدون قدوم اللاجئين، وهذا الرأي المهيمن في نهاية المطاف. 

ولا شك أن بعض الدول الأوروبية تأتي بانتقادات أشد لهجة من غيرها؛ فلدينا مثلًا المجر وبولندا اللتين تؤيدان إسرائيل تأييدًا أعمى، في حين تبدو دول أخرى، مثل بلجيكا، أكثر انتقادًا نوعًا ما. لكن في العموم لا يترتب على أفعال إسرائيل وممارساتها أي عواقب. ومن هذا المنطلق لماذا سيمتنعون عن استخدام تكنولوجيا المراقبة الإسرائيلية فوق البحر المتوسط؟ فهذه سياسة إنفاذ للقانون مرتبطة بالحدود ومعدومة الإنسانية، فلماذا لا يستخدمون طائرة إسرائيلية دون طيار سبق استعمالها في الحروب على غزة خلال الأعوام العشر أو الخمسة عشرة الماضية؟ إن هذا الأمر منسجم مع تلك الطريقة المنحرفة والفاسدة. 

باتريك ستريكلاند: سبق أن انتهى سريان المادة ٤٢ الجدلية في الولايات المتحدة الأمريكية، وها هي أصوات الجمهوريين تتعالى في عموم البلاد، فيصعدون نبرة خطابهم المناهض للمهاجرين، ويحضون على تعزيز التدابير العسكرية على طول الحدود بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك. ولا شك أن هذه الحدود توصف بأنها من الأخطر في العالم. ولقد تناولت في الكتاب مساهمة الشركات الإسرائيلية في تزويد سلطات الحدود الأمريكية بتكنولوجيا المراقبة، فكيف تبدو هذه العلاقة فعليًا؟ 

آنتوني لوينشتاين: طوال السنوات الأخيرة تولت شركة إلبيت- Elbit وهي أكبر شركة للتكنولوجيا الدفاعية في إسرائيل- مهمة تركيب عشرات أبراج المراقبة على طوال الحدود بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك. ويبدو أنها متطورة كثيرًا في تمييز المهاجرين أو الأمريكيين الأصليين؛ وربما يتعلق هذا التفصيل بخصوص الأمريكيين الأصليين بحقيقة إنشاء تلك الأبراج على أراضيهم دون موافقتهم التامة، لذلك يحتمل وجود بعض الإشكاليات الكبيرة في ذلك. وحري بنا الالتفات إلى أمرين هامين؛ أولهما أن الولايات المتحدة الأمريكية أرادت هذه التكنولوجيا تحديدًا من “إلبيت” لأن الشركة سبق لها تشييد أبراج مراقبة مماثلة في الضفة الغربية وعلى الجدار العازل بين إسرائيل وغزة. وثانيهما أن هذه المسألة موجودة لدى الحزبين في البلاد؛ فالناس استشاطوا غضبًا (أقلها تيار اليسار) من سياسات الهجرة التي انتهجها ترامب- وقد شاركتهم غضبهم- لكن تلك السياسات لم تختفي بعد رحيل ترامب عن سدة الرئاسة.  

والحق يقال أن هذه السياسات وجدت قبل مدة طويلة من تولي ترامب منصبه، وقد استمرت لمدة طويلة عقب نهاية رئاسته، بل يمكن القول أن بايدن يعمق في بعض النواحي، ويفرط في تعويله على تكنولوجيا الحدود؛ أي تكنولوجيا المراقبة، سواء الإسرائيلية أم غيرها. إلا أنه لا يحتفي بهذا الأمر ويكشفه علنًا كما فعل ترامب حين قال: “دعونا نشيد جدارًا!”. وفي الواقع ما تزال فكرة الجدار مطروحة وقائمة، وما تزال بعض أجزائه قيد التشييد، حتى لو لم تتطرق إليها الصحافة. ولعلّ معظم ما يتخذه بايدن من تدابير على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك يتجلى في تركيب كميات هائلة من تكنولوجيا المراقبة وأبراج الرصد والمراقبة وغيرها. وصحيح أن الإعلام لا يتحدث عن هذه المسألة كثيرًا، لكنها ليست سرًا! واللافت للاهتمام في هذه المسألة لجوء الولايات المتحدة الأمريكية إلى إسرائيل، أقرب حلفائها، للاستعانة بها والتزود بالنصائح والمعدات والتكنولوجيا التي سبق استخدامها على أرض الواقع في فلسطين، فهكذا تجري الأمور في “مختبر فلسطين”؛ تُختبر التكنولوجيا والمعدات هناك، ثم تصدر للخارج.

أميركاإرهابإسرائيلحربغزةفلسطين